

أما في التاريخ "الأتارب" من الأصل العربي الأثارب، و هي حسب ما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان من أثرب من الثرب، وهو الشحم الذي قد غشي الكرش وهي في السريانية "Litareb ليتارب" و تعني بيت الشحم ، و قد ذكرت الأتارب في الكتابات الآشورية "إليتاربي Ellitarbi "، و يرجع تاريخها إلى الألف الخامس قبل الميلاد (حسب آخر الاكتشافات الأثرية ) و كانت أحد المراكز التسعة عشر التابعة لمملكة حماة الآرامية و سميت في الكتابات الابلائية باسم" دارب Dareb " ، و دعاها الإغريق "Litarbe ليتاربي "، ودعاها الصليبيين "سيريب Cerep "، و سماها العرب " الأثارب " ، و هي الأتارب في أيامنا هذه 0
والأتارب تميزت عبر التاريخ بموقعها الهام على الطريق الرومانية من حلب إلى إنطاكية حيث إنها تبعد ثلاثة فراسخ عن حلب و مثلها عن أيبلا و مثلها عن قنسرين و مثلها عن الروج و كتلة جبل الزاوية ، و تزيد على ذلك قليلاً عن إنطاكية ، ( فرسخ = 10 كم تقريبا ً ) و الأتارب ترتفع عن سطح البحر 100متر ، و يتبعها إحدى و عشرين قرية و عشرة مزارع والعديد من المواقع الأثرية الهامة مثل: دير سمعان و قلعتها و دير عمان و دير الباسوس و دير جبل السرير.
مما قاله ياقوت الحموي عن الأثارب (في كتابه معجم البلدان ) هي قلعة معروفة بين حلب و إنطاكية … و هذه القلعة الآن خراب و تحت جبلها قرية تسمى باسمها .
و قد اشتهرت الأثارب بزيتها القديم الذي كان يصدر منه إلى البلاد العربية و الاجنبية ، و كما تميزت الأثارب بزيتونها الذي قال عنه ابن العديم أنه ليس كمثله إلا في بلاد فلسطين و تينها الفاخر و أعنابها التي تشهد بروعتها الأشعار الرومانية و لا سيما أعناب قرية كفركرمين المجاورة للأتارب .
وفيها قال الشاعر محمد بن صغير القيسراني :
عرجا بالأ ثارب كي أقضي مآربي
واسرقا نوم مقلتي من جفون الكواعب
واعجبا من ضلالتي بين عين و حاجب
و الأتارب عرفت منذ أقدم العصور و يذكر أن عشرة من ملوك ايبلا دفنوا بالأتارب و كانت تقدم فيها الأضاحي لهؤلاء الملوك وهم : ( أيركب دامو ، اينار دامو ، ايجريش خالام ، با دامو ،آدوب دامو، أيبس دامو ، كوم دامو ، آغور ليم ، ايشار ملك ، آبور ليم ) ، و فيها نزل الإمبراطور جوليان في آذار سنة /363/ م في حملته على فارس ، و في الفترة المسيحية البيزنطية انتشر العموديين في الأتارب و قراها و أهمهم (مار سمعان الكبير و مار يوحنا الأثاربي ) ، وفيها ولد مار يوحنا الاتاربي في أول الفتح العربي وقد كان يتكلم اللغة العربية و اللغة السريانية ،و كان قادة العرب و شعراءهم يقصدون دير الأتارب كثيراً فيستقبلهم يوحنا و يحسن ضيافتهم و قد انتخب رئيساً للرهبان و صعد على العمود و قضى في أعلاه حياة زهد و تقشف و قد اشتهر بالتاريخ و علم الفلسفة و علم اللاهوت له مصنفات و مراسلات وقد توفي عام 737 و مكان عموده يقع في الزاوية الجنوبية لثانوية الأتارب العامة ، و كان للدير ثلاث آبار كبيرة منها البئر التي تعرف إلى أيامنا بجب العمود ، و في العصر الإسلامي كانت الأتارب ثغراً هاماً من ثغور الشام و الخط الدفاعي الأول عن حلب
احتلها الصليبيون عام 1099م ، و قد تم احتلالها من قبل الفرنج و تحريرها من قبل المسلمين عدة مرات بين عامي/504 –532 /حتى تم تحريرها نهائياً على يد عماد الدين الزنكي سنة /532/ هجرية و لم تعد للفرنجة بعدها أبداً،وقد تعرضت الأتارب لزلزال شديد في العام /533/ هجرية /1136/م .
والى الأتارب ينسب أبو المعالي محمد بن هياج الأثاربي الأنصاري من الأعيان، و حمدان بن عبد الرحيم التميمي الأثاربي الحلبي الطبيب والشاعر والمؤرخ وهو من ولد حاجب بن زرارة التميمي وله تاريخ سماه " القوت".